توجان فيصل : عقدة الرئاسة !!

لا أدري لمَ قام الملك عبد الله بزيارة رسمية لرام الله، مع وفد مرافق. فما جرى إيراده في الخبر الرسمي من أمور كالحفاظ على وضع القدس والوصاية الأردنية على المقدسات، وإحياء العملية السلمية، والدعم الأردني للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس..إلخ هو مما يجري تكراره في كل مناسبة ولا يحتاج تأكيده لزيارة وعقد مباحثات. أما بقية ما أعلن من مثل أهمية العمل مع الإدارة الأمريكية لتحريك عملية السلام فهو من باب التمني، وأقله أن لا أحد يملك التأثير فيه حتى لو ملك إرادة ترامب الموقعة والمختومة. فما يقوله ترامب ينقضه أبرز أعضاء إدارته لحظتها أو في اليوم الثاني أو لاحقاً دون استعجال إن كان عن القضية الفلسطينية. ولا يفيد كثيراً اصطحاب الملك لرئيس ديوانه ومدير مكتبه ووزير خارجيته..ولكن اصطحابه لمدير المخابرات العامة يجعلنا نتوقّع أن أهم ما بحث في رام الله لم يرد في الخبر الرسمي. ولكن كل هذا (إضافة لتحاشي إثارة أي تساؤل لجهة دور المخابرات)، كان يمكن أن يجري في عمان التي يتردّد عليها محمود عباس وطاقمه بكثرة.. فيما الاطمئنان على صحة عباس الذي استهلّ به الخبر، لا يلزمه زيارة إلا أن يكون الرجل قعيد الفراش..والذي كان سيشكل الخبر الأهم!

وكمحلّلة سياسية لا أجد تبريراً للزيارة الملكية الرسمية غير أمرين: الأول، رفع معنويات عباس بإظهاره وكأنه رئيس بحق لدولة لها عاصمة. والثاني، بيان درجة أعلى من التوافق والتنسيق في السياسات بين السلطة والأردن. وبيان دعم المملكة لسلطة عباس في مواجهة حماس بشكل رئيس، وجزئياً في مواجهة «محمد دحلان» الذي لا نظن أنه خيار إستراتيجي لحماس بل خيار»تكتيكي» في مواجهة احتكار عباس للسلطة بمصادرة «فتح» ابتداء، وهو خيار سيفتح حسابات فتحاوية والأهم حسابات لفصائل أخرى فيما تبقى من «منظمة التحرير الفلسطينية».. والآن بالذات حيث تجري لأول مرة محاولة إعادة تعريف تمثيل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

والحقيقة أنه ما لفت النظر للأمر الثاني، هو الأول «الفاقع»، أي مشهد تصوير عباس كرئيس دولة وتصوير رام الله كعاصمة له. فالتقاء ترامب بعباس في رام الله أثناء زيارة رسمية «لفلسطين» التي غدت»إسرائيل»، هو مماشاة لمقولة حل الدولتين بالعروج على مدينة من الجزء المتبقي من فلسطين والمحتل أيضاً، بتسميتها عاصمة موعودة لدولة لم تقم، بما ينزع التسمية عن القدس. أما تضمين بيان زيارة أردنية رسمية لرام الله «دعم الأردن لقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.. والتأكيد على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس الشريف. وعدم المساس به لما سيكون له من تبعات سلبية على المنطقة برمتها»، فهو ضروري في ظلّ ما جرى حديثاً في القدس وللأقصى والحرم الشريفين وحرك قوى إقليمية إسلامية هي في صراع بيني. فيما تأكيد الملك على أن «الأردن، ومن منطلق الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مستمر في حماية المقدسات في المدينة من خلال العمل مع المجتمع الدولي في جميع المحافل»، فهو مما حتمته ذات المجريات الإقليمية، إضافة لكونه ترجمة لقبول الملك عبدالله للوصاية على تلك المقدسات، والتي سبق أن تخلص منها عباس، شخصياً، بحضوره لعمان وإلقاء المقدسات الإسلامية، ومعها المسيحية، في حضن الملك شخصياً..ما يمثل قبول عباس، بل وتوسعته لمادة في اتفاقية وادي عربة تقول بأن إسرائيل «تحترم الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن».

واضح أن عباس لا تهمه المقدسات بقدر ما يهمه أن يسمى رئيس دولة بعاصمة فيها مقرّ رئاسي ومطار يرفع عليها علمه، وحرس شرف يستعرضه مع ضيوفه سائراً على سجاد أحمر، بينما تعزف فرقة موسيقى النشيد الوطني الفلسطيني وأناشيد ضيوفه.. فيما يجرّم من يهتدي بكلمات النشيد الوطني، بتنسيق أمني مع المحتل لكامل أرض وطن (بما فيه المقر الرئاسي والمطار) مخضب على امتداد قرن بدماء ضحايا أبرياء وشهداء، تكفي لفرشها كلها باللون الأحمر! وحين شعر عباس أنه سيرحّل لانتهاء دوره، طالب بحماية أبنائه، أي حفظ مكتسباتهم غير المشروعة، وليس حماية شعبه ووطنه.

عندما وقّع عرفات اتفاقية أوسلو، أو بالأحرى وقع في فخها الذي أعده عباس، وأُُعطي غزة بمطار وطائرة رئاسية، وقبل بمقرّ رئاسي في رام الله بدل القدس..كتبتُ حينها، وأيضاً حاضرت في كاليفورنيا بدعوة من الجالية الفلسطينية، قائلة: إن كان المطلوب وطن للفلسطينيين، فهذا ليس المسار المؤدي له. أما إن كان المطلوب مقراً رئاسياً ومطاراً وطائرة رئاسية..فقريباً ستُشل الطائرة وتحرث أرض المطار بالقنابل. ويبقى عرفات محاصراً في مقره الرئاسي..ولم يخطر لي أنه سيقتل فيه غدراً وبتسهيل من بعض حاشيته!