جمال خاشقجي: ولي عهد السعودية يتصرف كما لو كان بوتين

أحدثت وجبة الاعتقالات الملكية التي جرت ليلة السبت موجات صادمة هزت الأوساط السياسية الدولية. جاءت الاعتقالات، بما في ذلك اعتقال رئيسي السابق في العمل الأمير الوليد بن طلال، بعد ساعات قليلة من إجراء تغييرات في عدد من المناصب الوزارية المهمة وكذلك في زعامة وهيكل الحرس الوطني السعودي الذي طالما حظي بقدر وافر من التقدير والاحترام.

طالما اعتبر أفراد العائلة السعودية الحاكمة أنفسهم “الحزب”، فكانوا يشتركون في السلطة ويحكمون بالتوافق فيما بينهم من خلال ترتيب معين تنقصه الشفافية. الذي تجلى بشكل لا لبس فيه بعد “ليلة السكاكين الطويلة” مساء السبت أن ولي العهد محمد بن سلمان عازم على إنهاء ذلك الترتيب وتركيز كافة السلطات والصلاحيات في موقعه كولي للعهد.

تأتي حملة التطهير هذه بعد أجواء ساد فيها التعصب وانعدام التسامح حتى مع أدنى نقد يوجه لإصلاحات محمد بن سلمان، الأمر الذي أفضى إلى اعتقال ما لا يقل عن سبعين شخصاً، من المؤسف أن اعتقالهم حظي بمستوى أقل بكثير من الاهتمام. كثيرون منا، ممن يتواجدون الآن خارج المملكة العربية السعودية، لن يعودوا إلى ديارهم خشية أن ينالهم نفس المصير. ومع ذلك، يتم استهداف عائلاتنا بدلاً منا.

كل هذا يجعلني أشعر أنني بت في مأزق شديد. فأنا ممن يتصدرون المطالبة بحملة حقيقية لاجتثاث الفساد المستشري والذي يكاد يأتي على موارد الدولة السعودية، المالية منها والبشرية على حد سواء. من المؤكد أن معدلات البطالة عندنا ستنخفض بشكل كبير لو أن المليارات التي تهدر على شكل عمولات ورشاوى ومشاريع إثراء شخصية تلبس عباءة مشاريع الأشغال العامة أنفقت بدلاً من ذلك على تطوير وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وفي التدريب المهني وفي إصلاح التعليم بما يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.

يختلف الفساد في المملكة العربية السعودية كثيراً عن الفساد في معظم البلدان الأخرى، حيث أنه لا يقتصر على دفع “الرشوة” مقابل الحصول على عقد، أو تقديم هدية ثمينة لفرد في عائلة مسؤول حكومي أو أمير، أو استخدام طائرة نفاثة خاصة لسفر العائلة في إجازة ثم تحميل الحكومة تكاليف ذلك.

ما يحصل في السعودية هو أن كبار المسؤولين والأمراء يصبحون من أصحاب المليارات لأن العقود تضخم قيمتها بشكل متعمد أو تكون في أسوأ الأحوال عقوداً لمشاريع وهمية لا وجود لها. في عام 2004 نشر لورنس رايت مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان “مملكة الصمت”، تحدث فيه عن مشروع ضخم للمجاري في جدة اتضح أنه مجرد أغطية على السطح في كافة شوارع وطرقات المدينة دون وجود شبكة أنابيب حقيقية في الأسفل. بإمكاني الآن أن أقول، وكنت حينها رئيس التحرير في صحيفة كبرى، إننا كنا جميعاً نعلم بذلك ولكننا لم ننبس ببنت شفة ولم نكتب كلمة واحدة.

والمثال الآخر هو إنشاء مطار في الموقع الغلط فقط خدمة للأمراء الذين كانوا يملكون الأرض. وكان هؤلاء قد حصلوا على الأرض مجاناً من الحكومة ثم تلقوا تعويضاً خيالياً مقابل التنازل عنها لمشروع المطار. في مقابلة له مع بلومبيرغ العام الماضي، كشف محمد بن سلمان عن أنه “كان يوجد تقريباً ما بين 80 إلى 100 مليار دولار من الإنفاق غير الفعال كل عام، أي ما يعادل ربع الميزانية السعودية الإجمالية” خلال فترة الطفرة النفطية من 2010 إلى 2014.

ربما كانت عبارة “الإنفاق غير الفعال” لطيفة أكثر من اللازم عند الحديث عن الفساد في المملكة العربية السعودية. ولكن، نعم، أنا كمواطن سعودي، أتوق لرؤية نهاية لهذا البلاء.

لطالما تساءلت لماذا يحتكر أفراد العائلة الملكية الحاكمة ملكية الأرض في المملكة العربية السعودية لدرجة أن أقل من 40% من السعوديين فقط لديهم القدرة على امتلاك سكن. (تزيد النسبة في الولايات المتحدة على 60 بالمائة). لم نعد بلداً ثرياً، والسبب في ذلك هو سوء الإدارة الذي منيت به ثروتنا النفطية الهائلة. مخزوننا النفطي مورد معرض للنضوب، ومع ذلك فقد هدرنا الكثير ولفترة طويلة من الزمن. يذكرني أفراد العائلة الملكية الحاكمة بحكاية إيسوب حول الزوجين اللذين قتلا الوزة التي تضع لهما البيض الذهبي.

فهل ولي العهد البالغ من العمر 32 عاماً أشبه بميخائيل غورباتشوف أم فلاديمير بوتين الروسيين فيما يقوم به من إجراءات؟ هل وضع قدميه فعلاً على طريق إصلاح المنظومة بأسرها؟ أم أنه ينقض فقط على بعض الشخصيات المعروفة حتى يركز السلطة في يديه؟

في هذه اللحظة، بإمكاني القول إن محمد بن سلمان يتصرف مثل بوتين، إذ يفرض نمطاً من العدالة شديد الانتقائية. فالتنكيل بمن تصدر عنهم حتى أبسط عبارات النقد – والمطالبة بأن يكون ولاء الناس له مطلقاً، تشكل تحديات خطيرة في مواجهة رغبة ولي العهد في أن ينظر إليه على أنه زعيم عصري مستنير.

من المعروف أن محمد بن سلمان اشترى قارباً بمبلغ 500 مليون دولار أمريكي. وثمة شائعات يتناقلها الناس في أنحاء المملكة حول مظاهر أخرى من البذخ. بمعنى آخر، ليس معهوداً عنه كقائد أنه فوق المعيار الذي حدده لبقية أفراد العائلة ولسائر أفراد الشعب.

والخلاصة هي أنني بينما أشيد بالحملة الحكومية لإنهاء الفساد إلا أنني أطالب وسائل الإعلام السعودية بتبني دور فعال في المطالبة بتحقيقات نزيهة وشفافة في حالات الفساد التي يتم التعامل معها. نستحق نحن السعوديون أكثر من مجرد احتجاز بعض أفراد العائلة الحاكمة والمسؤولين الحكوميين في فندق ريتز كارلتون. ينبغي أن يكون لنا حق الحديث حول هذه التغييرات المهمة والمؤثرة – والتغييرات الأخرى الكثيرة التي تتطلبها رؤية ولي العهد للبلاد.

لم نعد مملكة الصمت.