ديفيد هيرست: خيارات الملك عبدالله ما بين الاحتجاجات الشعبية وضغوطات الرياض وأبو ظبي

ديفيد هيرست

يقول الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في مقال نشره على موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أنه يجب على كل واحد منّا أن ينتبه إلى الأصوات القادمة من الأردن وينصت لها.

وينقل ديفيد هيرست في بداية مقاله، الذي تابعه وترجمه “العربي اليوم”، عن المحامية هالة عاهد، قولها: “نحن الشعب مصدر السلطة، ونريد أن نستعيد قدرتنا على التغيير خصوصاً بوجود مؤسسات واهنة مثل البرلمان والأحزاب السياسية”.

في حين تذهب ديما خرابشة، التي استمرت بالتظاهر خارج مكتب رئاسة الوزراء في العاصمة عمّان، إن “الشعب هو الذي أسقط الحكومة، ولم تقدم استقالتها طواعية”.

ويجدر بك حتماً أن تستمتع لما يقوله هذا الرجل: “تعلمت من والدي أن أكون مع أولادي وبناتي، مواطني الأردن”.

هذا الاقتباس الأخير كان لملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين.

ويقول ديفيد هيرست في مقاله: “إذا بدا ذلك كإعادة لسيناريو الربيع العربي في عام 2011، فإنه في الحقيقة ليس كذلك. بل هو أكبر من ذلك، وأكبر من الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في 1989 و1996. ففي كلتا السنتين، كانت العشائر في المحافظات الريفية هي القوة التي تقف وراء تلك الاحتجاجات”.

هذه هي الاحتجاجات الحاشدة الأولى في تاريخ المملكة الحديث، حيث امتدت الاحتجاجات في 46 مدينة في كافة أنحاء البلاد. ومثّل الاضراب العام حدثاً وطنياً بحق.

لم يكن هذا مجرد ما يحدث بعد أيامٍ قليلة من مغادرة وفد صندوق النقد الدولي الأردن، بعد أن أجرى مراجعته الثانية للبرنامج التصحيحي لاقتصاد البلاد. وإنما كان هذا ما يحدث لشعب ضاق ذرعاً بالارتفاع الهائل للأسعار وبالاقتصاد المنكمش، وبالحكومة القائمة على المحسوبية، وبالانتخابات الوهمية والأحزاب المزيّفة، وكل ما ابتليت به أي دولة عربية حديثة من علل وأمراض.

وبالنسبة لأي حاكم مطلق يشاهد تلك الأحداث من الخارج، خاصةً على الجانب الآخر من الحدود السعودية، فإن المشهد يقُضُّ مضجعه حتماً.

ويضيف ديفيد هيرست: “من قال إن الشباب والنساء، ومنهم 18.2 في المئة عاطلين عن العمل في الأردن، قد تركوا الشوارع؟ من قال إن الاحتجاجات السلمية قد تشعل الفوضى والخراب؟ يقدم الأردن اليوم مثالاً حياً على أن القوى التي وقفت وراء انتفاضات 2011 لا زالت حية ومفعمة بالنشاط”.

ولكن ما هي الضمانة بأن النيران التي تسعر في الأردن يمكن احتوائها (وعدم انتشارها في مكانٍ آخر)؟

بذور الأزمة

بلا شك، أنها مفارقة ساخرة ما تشهده الأردن من أحداث اليوم. فالبلد الذي حافظ على ملكه وتفاخر بعدم اللحاق بركب الربيع العربي في 2011، ها هو يجد نفسه اليوم وسط بؤرة موجة جديدة من السخط الشعبي.

وبالنسبة لأغلب ما يحدث اليوم، لا يلوم الأردن في ذلك أحداً سوى نفسه.

فكما يعرف كل مواطن، هناك ثلاثة مراكز قوى تحكم أو تسيء حكم البلاد: الديوان الملكي، والمخابرات والحكومة.

ومع ذلك، فإن أكثر هذه المراكز وضوحاً وعرضة للمساءلة، هو أبعدها عن صنع واتخاذ القرار. فكل وزير له ظل يتخذ القرارات عنه.

ولا تتمتع هذه السلطات دوماً بنفس القوة. وعلى مدى الأعوام الماضية، تعاظمت سلطة المخابرات والديوان الملكي مع مرور الوقت على حساب الحكومة.

وفي الآونة الأخيرة، عمد الملك من جهة والمخابرات من جهة أخرى على إرسال رسائل لبعضهما في العلن.

إقرأ أيضاً: الملك عبد الله يتوّعد: سوف نطرد المسؤول الكسلان والجبان (شاهد)

عندما اندلعت أولى مؤشرات حركة الاحتجاجات الحالية في محافظة الكرك في فبراير/شباط الماضي، تصدرت عناوين الصفحات الأولى في الصحف المحلية تقارير تتحدث عن مؤامرة تستهدف الملك، وكيف تم احباط هذا المخطط قبل ثلاثة شهور. وكانت تلك وسيلة جهاز المخابرات في إخبار الملك أن الوقت ليس مناسباً بعد للقيام بالإصلاحات.

وقد توالت الرسائل الأخرى منذ ذلك الحين. وبعد فترةٍ وجيزة من حديث الملك عبد الله مع مجموعة من الطلاب في الجامعة الأردنية حول الحاجة للاندماج السياسي، قررت مجموعة من الناشطين السياسيين اختبار مدى جدِّية تصريحاته.

وعلى إثره، أسست مجموعة من الشبان حزباً جديداً يدعى “التحالف المدني”، وتعمّدوا عن قصد اختيار وجوه غير معروفة وأشخاص ليس لهم ماضٍ سياسي.

وبعد تدشين الحزب الجديد، استُدعي كل عضو من أعضائه للاستجواب من قبل دائرة المخابرات.

إذن من ذلك الذي يجدر بنا تصديقه؟ الملك الذي يدعو للانخراط والمشاركة السياسية، أو ذلك الصوت الخافت، ولكن المُلّح، الذي يصدر من سماعة الهاتف سعياً لإخماد تلك المشاركة؟

وينقل الكاتب عن مسؤول كبير سابق في الحكومة الأردنية، قوله إن: “في كثير من الأحيان ما يريده الملك هو نفسه ما يريده جهاز المخابرات. ولكن إذا فعل أشياء لا تنال اعجابهم، أقصد هذا ما رأيته بنفسي، فيمكن لهم أن يحبطوا العملية دون أن يخبروه بأنهم سيفعلون ذلك”.

وعلى هذا النحو، يتخبط الأردن من أزمة لأخرى، ونحن نتحدث عن دولة هشّة مليئة باللاجئين، دولة اعتادت على استخدام هشاشتها للحصول على المساعدات الخارجية.

لا مبالاة ابن سلمان

ما الذي إذن قلب الأمور رأساً على عقب الآن؟ لكي نعرف ذلك، علينا أن ننظر لما وراء الحدود الأردنية. فوصول الملك سلمان بن عبد العزيز أدى إلى تغيير علاقة السعودية بجارها الأدنى والأفقر.

لا يبدي الملك سلمان ونجله محمد مشاعر الألفة تجاه الهاشميين، كتلك التي كان يبديها أخوته من الملوك السابقين. وبالنسبة لسلمان، كان الأردن إما معهم أو ضدهم. لم يكن هناك حب يجدر مراعاته. إذا لم يمتثل الأردن بالكامل للمخطط المجنون الذي يجرى طبخه على نار هادئة في الرياض، فليذهب الأردن وليشنق نفسه.

لم يستلم الأردن قرشاً واحداً من السعودية في العامين الماضيين. إذ كان يستلم في الماضي ما يتراوح بين 1 إلى 1.5 مليار دولار سنوياً نقداً ونفطاً.

إلى جانب ذلك، هناك رسائل أخرى: السعوديون والإماراتيون والإسرائيليون أرادوا تسليط الضغط على الملك عبد الله للقبول بخططهم لوضع حد للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

ولكل طرف منهم دوافعه الخاصة. فالرياض وأبو ظبي تريدان تجاوز عمّان كبوابة عربية نحو إسرائيل. إذ أنهم راضون بالسكوت عن توحيد القدس والتخلي عن المطالبة بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.

ولا يعني كثيراً للسعوديين والإماراتيين حق الفلسطينيين بالعودة. وقد عبرت الدولتان عن نفاذ صبرهما فيما يخص القضية الفلسطينية في مناسبات عدة.

وفي لقائه مع القادة اليهود في ولاية نيويورك في مارس/آذار الماضي، أخبرهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان: “حان الوقت لأن يقبل الفلسطينيون بما هو معروض عليهم وأن يوافقوا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإلا فعليهم أن يخرسوا ويكفوا عن الشكوى”.

كان ذلك معظمه قد حدث للضغط على الأردن. إلا أن المغامرة قد فشلت لأنها أسفرت عن رد فعل عكسي. خرجت مظاهرات الأردن ضد الرسوم التي فرضتها الشركات السعودية لأداء فريضة الحج السنوية. ولا يحظى السعوديون بشعبية في شوارع العاصمة عمّان.

أن يتخبط رئيس أمريكي جديد في الشرق الأوسط ويكون كالثور الهائج داخل معرض للخزف الصيني شيء (قال ترامب للملك عبد الله في إحدى المكالمات الهاتفية: لمّ لا يستلم الأردن الضفة الغربية؟)، وشيء آخر تماماً أن يبتز أحد من آل سعود هاشمياً. فإن ذلك يضرب على وتر أعمق وأكثر تأثيراً.

خطاب الملك

يذهب ديفيد هيرست للقول، إنه لدى الملك عبد الله الآن خياراً واضحاً ليتخذه. بإمكانه أن يخضع لرغبات الصبي الجديد في الحارة، ولي العهد محمد بن سلمان، ويقبل أن يصبح الأردن تابعاً آخر للسعودية.

وبإمكانه أن يبرم صفقة تمكنه من الاحتفاظ بالوصاية الأردنية على مسجد الأقصى، ولكن على حساب التخلي عن القدس الشرقية عاصمة لإسرائيل.

في هذه الحالة، ستتدفق المساعدات والنفط السعودي مرة أخرى وكذلك الصادرات عبر الحدود. وعندها قد تخف الأزمة المستفحلة في ميزان المدفوعات.

ويمكن العثور على خليفة محمود عباس على رأس السلطة الفلسطينية وتعود الأمور سريعاً لما كانت عليه في السابق. وستحل مشكلات الأردن مرة أخرى من خلال مد يديه لأموال المانحين.

أو بإمكان عبد الله أن يدرك ما أدركه والده قبل سنوات عديدة. فحتى تكون قائداً، فلا بد أن تقف بوجه أولئك الذين يتنمرون عليك. فلم يطلق لقب “أسد الأردن” على الملك حسين من فراغ.

ولم ينفك الحسين أبداً عن أن يكون ملكاً مطلقاً. ولكي يوّحد ابنه الأردن وأن يجمع شعبه على مساندته، فإن ذلك يعني الانتقال لملكية دستورية وتمكين تمثيل سياسي حقيقي.

وسيعني ذلك في نهاية الأمر تحمّل المسؤولية عن الخلل الوظيفي وإدراك أن زمن الدولة الريعية قد انتهى. والأمر يتطلب أكثر من مجرد إيماءة بالرأس أو رمشة عين باتجاه الإصلاح السياسي.

رؤساء الوزراء ما هم إلا مناديل ورقية للملك، هذا ما عبّر عنه أحدهم في السابق. وكلما احتاج لمنديل جديد، رمى القديم. ولذلك، يرجى التوقف عن استخدام مناديل جديدة.

أي خيار سيتخذه الملك عبد الله؟

أخبر الملك عبد الله الصحافيين يوم الإثنين الماضي: “في الفترة الماضية، فرض علي أن أقوم بعمل الحكومة، وهذا ليس دوري. إنما دوري هو أن أكون ضامناً للدستور وضامناً للتوازن بين السلطات. وكل سلطة وكل مسؤول عليه أن يكون على قدر المسؤولية، وكل من لا يستطيع القيام بعمله فعليه أن يذهب ويترك المجال لمن هو أقدر منه”.

ويختتم ديفيد هيرست مقاله، بالقول: “إذا كان الملك عبد الله جاداً في كلامه فعلاً، فبإمكانه أن يقلب الطاولة على أولئك الأشخاص المتواجدين في الرياض وأبو ظبي وإسرائيل، الذين سعوا لتجويع الأردن لكي يخنع.

إن آخر ما يريدون رؤيته هو جار عربي سني مستقل ويعمل على تأدية وظائفه بفعّالية بقيادة حاكم يحظى بدعم شعبه.

إن كان ذلك مآل الأزمة فعلاً، فإن الملك عبد الله سيستحق عن جدارة لقب الملك، ليس فقط في الأردن، وإنما في كل أرجاء المنطقة.

About Ali Saedi 5893 Articles
Master of Translation and Content Writing