د. حسين الديك: أٌمة تُبَجِّل الطغاة

يعتبر تاريخ القبائل العربية تاريخا حافلا بتبجيل وتقديس وتعظيم شيخ القبيلة ، اذ يعتبر هذا التبجيل والتقديس جزء اصيل من ثقافة القبائل العربية عبر تاريخهم القديم ، وانسحب الامر على العرب في العصور اللاحقة بعد تشكيل الدول العائلية المختلفة مثل الدولة الاموية والعباسية والفاطمية والمملوكية الخ.. حتى عندما احتل الاتراك بلاد العرب تحت ما عرف الدول العثمانية دولة الخلافة استمر الامر في التبجيل والتهليل والتقديس للمحتل التركي.

ولم يقف الامر عند هذا الحد فقط فبعد هزيمة الدولة العثمانية وتقسيم ممتلكاتها بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى ، قامت العرب باعادة احياء الدول العائلية من جديد واصبحت البلاد العربية التي تتحرر من الاحتلال التركي او الغربي دول عائلية بامتياز واستغلت تلك العائلات البعد الثوري احيانا والبعد الديني احيانا اخرى والبعد القبلي لتثبيت حكمها واعطاء مشروعية لوجودعها ، وكانت الشعوب العربية تصفق وتبجل وتقدس تلك الانظمة وتسير وفق ما تقتضيه مصلحة هذه الانظمة.

وبعد عقود من الاستعباد في ظل الانظمة العائلية العربية ، ظهر في العالم العربي حنين اخر للاستعباد التركي اذ اصبحنا نرى الكثير من العرب يترحم على دولة الخلافة وينادي باعادة احيائها ، تلك الدول التي ارتكبت الاف الجرائم بحق ابنائها وسفكت دمائهم واعدمتهم في الساحات والميادين امام اهلهم لتزرع الخوف والرعب في قلوب الناس.

ويُعطى ائمة المساجد في البلاد العربية حيزا وافرا للحديث عن دولة الخلافة والحنين اليها والدعوة الى عودتها واعادة بنائها ، ليس هذا فحسب بل تُطلق عبارات الذم والاحتقار والتشهير بحق كمال اتاتورك الذي انهى الخلافة العثمانية بقرار رسمي ليكون بعدها مصير الشعوب التي كانت تتبع لها ، لارادتها الذاتية والتحرر واقامة نظامها التي تريد .

يسود المجتمعات العربية نظريات تقليدية ناتجة عن محدودية الرؤية والفكرية واضمحلال دور العقل ، اذ يَنسب العرب كل مشاكلهم ومصائبهم الى اكذوبة تعرف باسم ( نظرية المؤامرة)، وتعمل الانظمة السلطوية العربية على نشر هذه الافكار لالهاء الناس بها واستغلال العاطفة الدينية لتاكيد ذلك ، لالهاء الناس بعدو خارجي هو في الواقع غير موجود ، لتستمر في بسط سلطتها وجبروتها على تلك الشعوب والمجتمعات ، وفي المقابل تقدس تلك الشعوب هؤلاء الطغاة عبر تاريخها المليىء بالهزائم والانكسارات و المذلة.

بل اصبح لدى العرب فن جديد يتم من خلاله تحويل الهزيمة الى نوع من الانتصار وتقديمه للناس على انه انجاز عظيم من انجازات الانظمة السلطوية العربية ، ويستمر هذا الواقع في المجتمعات العربية ويصبح جزء من سلوكيات الافراد و الجماعات ، وينفرد العرب بهذا السلوك وحدهم دون باقي الاجناس .

وهذا يطرح العديد من التساؤلات هل المشكلة في التركيب الجيني للعرب ؟ ام في التركيب الثقافي ؟ في السياق الايدولوجي العربي ؟ ام في استخدام الدين والعامل الديني من قبل الانظمة لتمرير ذلك ؟ ام في طبيعة الانظمة السلطوية الحاكمة ؟ ام هذه المشلكة يتحملهاالاحتلال التركي الذي استمر لقرون والذي عمل على تدجين الشعب والثقافة لدى العرب ؟ ام انتشار شعراء البلاط و وعاظ السلاطين ، او ما يُعرف بظاهرة السحيجة لدى تلك الانظمة ؟ تساؤلات كثيرة بحاجة الى اجابات .

ولكن رغم التقدم العلمي والتقني الموجود في عالم اليوم والذي استطاع ان يُحدث ثورة فكرية وعلمية وابداعية في الكثير من دول العالم ، مازال العرب يتصرفون وكانهم يعيشون في القرون الوسطى ، ولم تغير تلك التكنولجيا الحديثة والتي تنتشر في المجتمعات العربية اي شيىء ، بل تزداد الامور سوءا يوما بعد يوم.

قد يكون ذلك عائد الى تحجيم دور العقل العربي و وضعه داخل ايقونة مغلقة يتحرك في مساحة محدودة فقط ، وقد احيط بالمنع الديني والاجتماعي و الثقافي ، وبذلك اصبح هناك نتائج ملموسة لهذا الواقع، ونتج عنه ظهور تنظيمات راديكالية ، مثل داعش والنصره و اخواتها ، واستمرار هذا الواقع سينتج الكثير من المشكلات والحروب في المجتمعات العربية في المستقبل القريب.

فالانغلاق الفكري والعقلي الذي تفرضه المعتقدات الدينية والثقافية العربية بدعم من الانظمة السلطوية هو المشلكة التي يجب العمل على حلها والتخلص ، وبدون ذلك سيبقى العرب كما انوا قبائل متناحرة ومتقاتلة تاكل بعضها بعضا.