طه خليفة : زمن الميليشيات !!

زمن الميليشيات !!

بقلم – طه خليفة:

ميليشيا «حزب الله» اللبنانية، تقاتل ميليشيا «جبهة النصرة» السورية، في «عرسال»، على الحدود بين البلدين. الميليشيا تتفق على وقف إطلاق النار، تعقد هدنة، تتفاوض، تتوصل لاتفاقات، تتبادل الأسرى، وجثث عناصرها، وخروج آمن لـ «النصرة» من «عرسال»، إلى «إدلب» في سوريا. كل ذلك ولا نجد أثرا للدولة في لبنان، ولا جيشها الوطني.

وأما عن سوريا فهي لم تعد دولة، ولم يعد فيها جيش وطني، صارت عشرات الدويلات، وترتع فيها عشرات الميليشيات من السوريين والأجانب، وتتواجد على أرضها، وفي سمائها، ومياهها، قوات وقواعد وقطع بحرية من عشرات الدول الأجنبية.

سوريا نموذج كارثي للدولة العربية الفاشلة التي تغادر التاريخ، نموذج الفشل والتفتيت ماثل أيضا في العراق، لبنان، ليبيا، اليمن، وقبلهم الصومال، والسودان الذي تعدلت خرائطه بخروج الجنوب منه، وتأسيس دولة مستقلة تواجه أيضا صراعات عسكرية طاحنة وانقسامات قبلية.

في الزمن العربي الحالي فإن الميليشيا فوق الدولة، أقوى من الدولة، تحكم الدولة.

حالة لبنان صارخة تستوجب العودة إليها، هذا البلد لا يعيش حربا أهلية جديدة، يشهد حالة من السلم، لكنه هش وغير مكتمل بسبب وجود الميليشيا، حزب الله فوق الدولة، ذهب للحرب في سوريا دون أن يعبأ بالدولة اللبنانية، ولا كونها صاحبة قرار الحرب والسلام، ورط لبنان وشوه وجهه سياسيا ووتر علاقاته مع عديد من دول المنطقة والعالم، ليس مفهوما أن تحمل ميليشيا سلاحها الذي ترهب به الداخل وتذهب لترهب به شعب آخر، وتدعم نظام آخر، حزب الله يُنِّصب نفسه وصيا على لبنان الدولة، وقراراتها وطبيعة علاقاتها وينتهك سيادتها.

ما قيمة الرئاسة، والحكومة، والبرلمان، والمؤسسات، والأحزاب والقوى من مختلف التيارات والتكوينات السياسية والطائفية والمذهبية؟، التعايش المجتمعي والتماسك الوطني في خطر حقيقي داخل كيان شبيه بالموزاييك المتداخل المعقد بسبب وجود سلاح في أيدي ميليشيا خارج قبضة الدولة، وتبعيتها للخارج.

وفي العراق توجد حكومة مركزية، لكن آفتها المحاصصة والطائفية السياسية والمذهبية، والميليشيات هي التي تسيطر وتحكم وتتحكم، والقوة الضاربة التي تواجه ميليشيا «تنظيم داعش» هي ميليشيا «الحشد الشعبي» التي تأسست بفتوى دينية من المرجعية الشيعية العليا، ورغم وجود جيش وطني وقوات شرطة إلا أن ميليشيا الحشد ظهرت وتسلحت وتوسعت وقاتلت نيابة عن الدولة والجيش والشرطة وحصلت على صك الشرعية من البرلمان بقوة أغلبية طائفية.

وفي طرد داعش من الموصل وما سبقها من مدن، كان الحشد في الصدارة، ميليشيا تقاتل نظيرتها، والجيش في الخلفية، جيوش شكلية، وميليشيات قوية، تعرف كيف تقاتل بعضها بعضا، وبدا أن هناك رضوخا دوليا لدورها حيث اصطف التحالف الذي تقوده أمريكا إلى جانبها في قصف «داعش» جوا ممهدا الأرض والطريق لتقدمها، لذلك لن يصير العراق دولة حقيقية ذات سيادة مكتملة، ولن يتعافى ويكون بلدا لجميع مواطنيه في ظل هذا المشهد الميليشاوي غير المسبوق فيه الذي أغرى الأكراد للتوجه نحو الخطوة الأخيرة في الاستقلال باستفتاء 25 سبتمبر المقبل.

وفي اليمن لا توجد دولة، ولا سلطة مركزية رغم وجود حكومة شرعية لكنها لا تملك من أمرها شيئا، مثلما الحال في ليبيا، أضعف الحلقات في البلدين هما الحكومات المعترف بشرعيتهما الدولية، لا فاعلية لهما على الأرض، ولا هما قادرتان على حماية نفسيهما، إنما القوة الضاربة في أيدي الميليشيات المتقاتلة التي تمسك بالأرض وبالسلاح.

والحرب التي يخوضها التحالف العربي في اليمن دخلت عامها الثالث، ولم تحسم الصراع على الأرض، ولم تستطع الحكومة الشرعية إعلان النصر، والحكم من العاصمة صنعاء.

الدولة الوطنية بعد التحرر من الاستعمار فشلت في الحفاظ على كيانها، وإذا كانت هناك مؤامرة لتقسيم البلدان العربية كما يتردد إعلاميا وسياسيا فإن الأنظمة والنخب الفاشلة هي من تهيئ الأوضاع للتقسيم، وتدفع به للتنفيذ عبر الطغيان، والفساد، وإفقار الشعوب، وممارسة القمع، والانتهاكات الوحشية، وغياب مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والإصلاح السياسي والديمقراطي الحقيقي، إلا مشروع واحد فقط مزدهر قبل الربيع العربي، وبعد انتكاسته، وهو الحكم السلطوي الأمني القابض على مفاصل النظام والمؤسسات بقبضة أشد من الفولاذ، ولو كان ذلك على جماجم الشعب كله، وسوريا نموذجا صارخا.

 

كاتب وصحفي مصري