طه خليفة: لا تظلموا حكومة الوفاق في تجارة الرقيق !

العواصم الغربية والإفريقية تهاجم ليبيا بسبب «سوق العبيد»، أي استغلال المهاجرين الأفارقة، وتحويلهم إلى رقيق، والمتاجرة فيهم بيعاً وشراءً.

لكن هل تُلام ليبيا؟. أولاً، من هي ليبيا؟، هل ليبيا الشرق، أم الغرب؟، ليبيا الانقسام بين كيانين متصارعين، علاوة على مناطق القبائل، ليبيا المتحاربة منذ سنوات دون وضع حد للقتال العبثي الذي حوّل أحد أغنى منتجي النفط في العالم إلى بلد يعاني سكانه من الحصول على الغذاء والخدمات؟، ليبيا التدخلات الخارجية التي تجعلها ساحة للفوضى، وغياب الاستقرار، وعرقلة الحل السياسي ؟.

شاع التفاؤل عندما توصل المجتمع الدولي إلى اتفاق «الصخيرات» في المغرب 2015 الذي تمخضت عنه حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، وكذلك المجلس الرئاسي، باعتبارهما الشرعية الوحيدة المعترف بها دولياً في البلد الممزق، ليكونا البداية لحل سياسي سلمي شامل يُطلق عهداً جديداً عنوانه السلام، والتصالح الوطني، والانتخابات الحرة، ويختار الليبيون بإرادتهم، وليس بقوة السلاح، من يحكمهم، لكن الحكومة الشرعية وجدت نفسها بلا حول ولا قوة، ولا دعم دولياً حقيقياً في بلد شاسع المساحة لبسط نفوذها، وإحداث تغيير إيجابي بإعادة توحيد الدولة، وبدء مرحلة انتقالية تُصلح ما أفسدته صراعات ما بعد سقوط الديكتاتور، كما وجدت نفسها مسؤولة نظرياً عن دولة لها حدود بحرية بألوف الكيلومترات على المتوسط، وحدود برية هائلة مع دول عربية وإفريقية، وتواجد كثيف قديم للأفارقة منذ العهد السابق، فكيف إذاً لحكومة بلا قدرات على الأرض، ولا سيطرة، أن تواجه معضلة الهجرة، والممارسات المسيئة للمهاجرين بواسطة شبكات الاتجار بالبشر؟، وكيف تواجه المشكلة من جذورها بمنع الألوف من عبور حدودها لركوب السفن إلى أوروبا ؟. إنها مهمة صعبة وثقيلة بحاجة لدولة موحدة، وسلطة مركزية قوية، وتعاون إقليمي ودولي، وكل ذلك غير متوفر، ولا أمل في حصوله مادام الانقسام مستمراً.

من يُلام أولاً ؟، المؤكد أنهم الذين يتركون هذا البلد يغرق في الفوضى، ولا يسعون لوضع حد نهائي للحرب، والذين يتعاملون مع الكيان الليبي في الشرق على قدم المساواة مع الحكومة الشرعية في طرابلس بقيادة السراج، استمرار هذا الخلط يرسخ وجود سلطتين وبلدين، وهذا ليس في صالح الحل السياسي.

الطبيعي عدم التعامل الدولي إلا مع الشرعية الوحيدة التي نتجت عن مفاوضات جرت بواسطة الأمم المتحدة وأخرجت اتفاق «الصخيرات»، فهو القاعدة لأي حل سياسي، ومن لا يدخل في الاتفاق شرقاً أو غرباً يكون في حالة خرق له، ومتمرد على الإرادة الدولية، لكن لم يكن هناك موقف دولي حاسم، وهذا جعل القوى والميليشيات المسلحة تواصل تحدي الاتفاق، وتسعى لتهميش حكومة السراج التي تجد نفسها دون فاعلية في مواجهة الاستحقاقات المطلوبة، ومنها ملف الهجرة المزعج، وما استجد فيه من عمليات بيع وشراء لبعض المهاجرين.

وفي ظل هذه الأوضاع المرتبكة فإن المهربين ينشطون، ويجلبون المهاجرين، وينفقون عليهم، ثم يبيعونهم لمن يريد عمالة رخيصة، ومن يملك المال منهم، ويركب البحر فإن عليه أن يدفع، ثم يُترك لقدره، إما ينجو، أو يغرق، وبيع المهاجر لا يكون استعباداً كاملاً كما هي الصورة المترسخة عن الرق قديماً، إنما هو استعباد مؤقت، صاحب العمل يدفع للمهرب تكلفة هجرته، ثم يحصّلها منه عبر العمل الذي يقوم به، ثم ينتهي أمره، ويذهب لحال سبيله، ومع ذلك فهي تجارة مرفوضة تماماً، الاتجار في البشر بكل صوره جريمة كبرى تستحق العقاب.

الغرب لا يساهم في علاج أسباب الهجرة من جذورها بالمساعدة في تنمية إفريقيا، وانتشالها من الفقر والتخلف، ولا يضغط على الديكتاتوريات الحاكمة للإصلاح السياسي، فهي التي تُحول الحياة إلى جحيم، وتدفع الشعوب للهرب من واقعها الأليم، كما لا يتحرك لإيقاف الحروب في الشرق الأوسط، إنما يزيدها اشتعالاً ببيع السلاح للجميع، ولا يقوم بدوره في التوصل لحلول سياسية، ولا يساهم في إزالة الأسباب التي تجعل الأرض صالحة لنمو التطرف والإرهاب، وهذه مسببات حيوية في اتساع حركة اللجوء والهجرة.

وعندما يتدفق المهاجرون عليه، ويطاله جانب من الإرهاب فلأنه شريك في تهيئة الظروف التي تدفع لذلك، فهو ليس عادلاً مع المظلومين، ولا منصفاً مع المقهورين، ولا مخلصاً لمبادئه في مناهضة سياسات القمع، والتنكيل بالشعوب، المصالح التي يحصدها تجعله يضحي بقيمه في الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.

لكن المسؤولية لا تقتصر على الغرب وحده في كوارث عالم الجنوب، فالعداء الصريح للإصلاح السياسي، ومناهضة التغيير الديمقراطي، وتغييب إرادة الشعوب في اختيار قادتها، وسحق كرامة الإنسان، هي وغيرها رأس الحربة في كل نكبات الدول التي تعيش خارج التاريخ والحضارة.